نستكمل في مجله لخابيط
الجزء الثاني من موسوعه (الجن والسحر والارواح)
الموسوعه المتكامله الوحيده علي الانترنت
فقط في مجتمع لخابيط الشرقي
L5abet Oriental Society
الجزء الثاني
الجزء الثاني من موسوعه (الجن والسحر والارواح)
الموسوعه المتكامله الوحيده علي الانترنت
فقط في مجتمع لخابيط الشرقي
L5abet Oriental Society
الجزء الثاني
****
تعريــف بعــض علــوم الســــــحر
شروط واعمال الساحر
العـقـــــــد الشـــــيطاني
تحصينات ضد السحر
مجالـــس الشــــيطان
حقيقة إبليس أهو من الملائكة أم من الجن ؟!
قصص على تزاوج الجن والإنس
التنويم المغناطيسي : سحر أم علاج؟
تحضير الأرواح: رؤية فقهية
(4)أنــواع الســــــحر
يمكن تقسيم السحر إلى ثلاثة أقسام رئيسية و هي :
( أ ) سحر يؤثر من تلقاء نفسه بقوة الساحر الذاتية دون أن يستعين بواسطة إنسان أو جماد أو إلى مواد نباتية أو حيوانية أو اللجوء إلى استعمال الحروف و الطلاسم و الأرقام و الأجرام السماوية و يكون هذا السحر هو أقوى و أفتك أنواع السحر وذلك لأنه يكون صادرا عن الشيطان نفسه أو أحد أعوانه المقربين ويصيب هذا السحر الضحية في النفس أو في المال , و السحرة من هذا النوع هم الذين يتصلون بالشيطان و يعبدونه و يبرمون معه العقود التي تربطهم به ويجب أن نلاحظ أن هذا النوع من السحر قد أوشك على الإنقراض في الوقت الحاضر , و معظم السحرة الموجودين الآن إما ينتمون إلى الفئتين التاليتين و إما فأنهم من الدجالين المشعوذين الذين لا يفقهون في علوم السحر إلا قليلا و لديهم بعض المعلومات المتناثرة التي لا يمكن من خلالها التأثير على أحد
( ب ) سحر يقوم به الساحر بمساعدة و إرشاد الأرواح الشريرة مع استخدام جزء أو أجزاء معينة من إنسان أو حيوان ( سواء كان حيا أو ميتا ) أو نبات أو جماد لأحداث التأثير المطلوب , ولكن هذا النوع من السحر أضعف تأثيرا من النوع الأول وذلك لضعف القوة التي تسببه وكذلك فأن الساحر يكون عاجزا بذاته عن القيام به دون الإستعانة بالأرواح الخبيثة , ويلاحظ أن مفعول هذا النوع من السحر لا يستمر طويلا إلا إذا تكرر عمله عدة مرات و من السهل علاجه أو إفساد عمله و بطلانه
( ج ) السحر المعقد و فيه يقوم الساحر بالإستعانة بقوة الحروف الهجائية أو الأعداد أو الكواكب و الأجرام السماوية و ذبذبتها وهذا أصعب أنواع السحر حيث يتطلب معرفة جيدة بكل ما يتعلق بالكواكب والنجوم والحسابات الفلكية وأطوار الكواكب و النجوم وحركتها من حيث صعودها و هبوطها و ربط كل ذلك بالحروف و الأعداد و الرموز التي يستعملها و الدلالة وراء كل ذلك , ويتطلب الأمر كذلك إلمامه بمعادلات جبرية وطرق رياضية و فلكية و إجراء كل هذه العمليات بدقة متناهية لأن أي خطأ أو فرق و لو ضئيل للغاية سوف يترتب عليه الخطأ في كل نتائجه
و تختلف طرق ممارسة السحر باختلاف الشعوب فالهنود يمارسون السحر عن طريق تصفية نفوسهم والوصول بالأرواح إلى درجة من الشفافية والأتصال بالعوالم الأخرى غير المنظورة , أما اليونانيون القدماء فقد مارسوا السحر عن طريق الإستعانة بأسرار الأفلاك والكواكب , أما طريقة العبرانيين و الأقباط و العرب فكانت الأستعانة بالأسماء المجهولة المعاني كنوع من العزائم من أجل تسخير الجن واستخدامه في سحرهم
فـــروع الســــــحر
لعلوم السحر فروع كثيرة و نواحي متعددة و منها على سبيل المثال :
علم العزائم , علم التنجيم , علم الخواتيم , التنويم المغناطيسي , الطرق بالحصى , خط الرمل , زجر الطير , الإصابة بالعين , علم الكف , التمائم , قراءة الطالع , الحاسة السادسة , ضرب المندل , استخدام الأرقام ,, وغيرها من علوم السحر المتعددة و التي أصبح لكل فرع منها أخصائيين و علماء يقومون بممارسة هذه العلوم وفق نظم معينة و طرق محددة تم التوصل إليها بعد تجارب استمرت سنوات طويلة وتناقلتها الأجيال المتعاقبة
و هناك نوع من السحر يلجأ فيه الساحر إلى التأثير على ضحيته مستخدما أي شيء من متعلقاته مثل : صورته الفوتوغرافية أو قميص أو منديل أو شراب أو أي شيء من متعلقاته وذلك بهدف إيقاع الضرر به , ولكن غالبا ما يمارس هذا النوع من السحر الجهال و المشعوذين وذلك بهدف إيهام ضحاياهم بقدرتهم على إيقاع الأذى و الضرر بالآخرين
و غالبا ما يقصد الساحر من وراء سحره التأثير على شخص واحد بعينه ولكن في بعض الحالات النادرة قد يتناول عمل الساحر مجموعة أشخاص , وفي هذه الحالة لابد أن يكون الساحر على اتصال وثيق بالشياطين و له خبرة كبيرة بفنون السحر وذلك من خلال عمله بالسحر لسنوات طويلة لا تقل عن ثلاثين أو أربعين سنة يقضيها في صحبة الشيطان و عبادته وحده و الإخلاص له إخلاصا تاما حتى يصبح منظره كالشيطان نفسه و العياذ بالله
و من السحر ما يقصد من ورائه إفساد الزرع أو المحاصيل أو إهلاك البهائم أو كساد التجارة أو خسارة المال أو عدم إتمام الزواج أو التفريق بين الأزواج و الأحياء أو السعي في خراب البيوت و العياذ بالله تعالى ,, و غير ذلك من أنواع المتاعب و المشاكل التي يزينها الشيطان إلى أوليائه
و مما يذكر في هذا المقام أنه يوجد في الغرب فئة من السحرة تخصصوا في هلاك البهائم فقط فنظرة واحدة منهم إلى أي موضع من البهيم مع تلاوة بضعة كلمات غير مفهومة تكفي لشق بطن أو ظهر المسكين و خروج أحشاؤه و هلاكه لساعته , وكذلك توجد طائفة من الهنود تختص بمثل هذه الأعمال ولكنهم يمارسون سحرهم على الإنسان بدلا من الحيوان حيث ينظر الساحر الهندي إلى ضحيته نظرة خاصة و يشير إليها بعلامته مع التلفظ ببعض الألفاظ فتسقط فورا
تعريــف بعــض علــوم الســــــحر
( أ ) علم التنجيم
علم التنجيم أو علم النجوم هو علم يهدف إلى معرفة الحوادث المستقبلية عن طريق أوضاع الأفلاك والكواكب المختلفة ومقارنتها بما يسمى أوضاع التثليث والتربيع والتسديس وغيرها من الأوضاع التي لها مدلولات خاصة وينقسم هذا العلم بصفة عامة إلى ثلاثة أقسام : الأول : الحسابيات : وهي العلوم اليقينية ولا مانع شرعا من تعلمها الثاني : الطبيعيات مثل الإستدلال على الأحداث من انتقال الشمس في البروج الفلكية إلى الفصول كالحر والبرد أو اعتدال الجو , وهذه أيضا لا مانع من تعلمها . الثالث : الوهميات وهي الإستدلال على الحوادث والتنبؤ بها باستخدام القوى السفلية . وقد نهى الرسول الكريم صلىالله عليه وسلم عن تعلم هذه العلوم السفلية والإكتفاء بمعرفة النوعين الأولين فقط لاستخدامهما في الأعمال النافعة , وفي الحديث الذي رواه ابن مردويه وورد في الجامع الصغير للسيوطي (( تعلموا من النجوم ما تهتدون به في البر والبحر ثم انتهوا ))
( ب ) علم العزائم أو التعزيم
العزائم مأخوذة عن العزم وتصميم الرأي على شيء معين وعقد النية عليه , وذلك بالتعزيم والتشديد على الجن والشياطين , وذلك بكلمات وأقوال معينة , وينهي ذلك بكلمة عزمت عليكم وبالتالي فقد أوجب عليهم الطاعة والإذعان والتسخير والتذليل لنفسه , وقد أجمع العلماء والمفسرون القدامى على أن الجن والشياطين مسخرون لخدمة الأنسان ومنهم هؤلاء الجواسيس والأشرار الذين ينقلون للإنسان بعض ما يصل إلى سماعهم من أخبار وأوامر
( ج ) علم الطلاسم
هو العلم بكيفية التأثير في العناصر المختلفة باستخدام المعرفة بأحوال تفاعل القوى الخفية السماوية بالقوى الأرضية باستخدام بخور مقوية تجلب روحانيات الطلسم , وذلك من أجل الحصول على أفعال غريبة أو التأثير في بعض النواحي وإفسادها , وطرق التوصل إلى الطلاسم شديدة العناء والصعوبة
( د ) علم التنويم المغناطيسي
يتم عن طريق تأثير شخص قوي على شخص أضعف منه يكون في حالة وسط بين التنويم واليقظة يتم فيها طرد كل الأفكار من ذهن الشخص الآخر وإحلال الأفكار المطلوبة محلها ويكون له تأثيرا قويا
( ه ) خط الرمل
يلجأ بعض المنجمين إلى رسم خطوط وأشكال مختلفة على الرمال , وذلك بهدف استطلاع الغيب وكشف المجهول وغوامض الأمور أو معرفة خفايا سعادة أو شقاء الإنسان , وذلك عن طريق قراءة ما يوحيه أثر الخط أو الأشكال المتكونة من الخطوط . ويتم تكوين ستة عشر شكلا يتم تمييزها وتسميتها بأسماء مختلفة ويتعلق بعضها بحالات السعد والبعض الآخر بحالات النحس, ولكن ذلك من الخرافات والادعاءات ولا يوجد دليل على صحة هذه التقسيمات . لأنه لا يعلم الغيب إلا الله تبارك وتعالى وكل ما عدا ذلك فهو شعوذة ووهم باطل
( و ) فتح المندل
المندل هو عبارة عن فنجان من الخزف يملأ بالزيت والحبر الأسود ويؤتى بغلام صغير لم يبلغ الحلم أي بين التاسعة والثانية عشر ويكون في حالة طبيعية دون وهم أو فزع أو خوف ثم يكتب فاتح المندل عزيمة خاصة على جبهة الصبي ثم يأمره أن يخبره بما شاهد فإذا شاهد ملوك الجن طلب من الصبي أن يسألهم عن الشيء المفقود والذي قد يكون الكشف عن السرقات أو أسرار الجرائم الغامضة أو معرفة أماكن بعض الأشياء المختلفة وكذلك فقد يستخدم المندل في معرفة بعض النتائج مسبقا وبعد انتهاء الغرض يقوم فاتح المندل بتلاوة عزيمة خاصة ويعود الصبي إلى حالته الأولى
( ز ) قراءة الكف
في رأي ممارسيه أن الخطوط التي في كف الإنسان إنما تولد معه وتمحى بموته , ويدعون أن خطوط اليد الطولية والعرضية والتعرجات الموجودة في الكف تحدد عمر الإنسان طولا وقصرا وتنبىء عما سيحصل لصاحبها من سعادة أو تعاسة وغيرها . فهناك خط القلب وخط المستقبل وخط العمر وخط الإنجاب أو عدم الإنجاب لكن من الواضح أن هذه الخطوط لا يمكن أن تنم عن حقيقة شخصيات البشر ولا تحدد مستقبلهم وإنما هذا العلم هو عبارة عن نوع من الفراسة والمهارة الناتجة عن الممارسة والخبرة في مشاهدة الخطوط على الأيدي
( ح ) قراءة الفنجان والودع والحجارة وغيرها
قد يأخذ بعض الأشخاص في التحديق في فنجان القهوة بعد أن ينتهي صاحبها من احتسائها وذلك لمعرفة المستقبل وتحديد الآمال والأحلام , وذلك دون أي أساس من الصحة , ولكن ذلك نوع من التنبؤات والادعاءات التي غالبا ما تكون غير صحيحة ولكن الذي يحدث أن الناس يكونون مهيئين لتصديق ما يقال لهم وقد وضعوا ثقتهم في هذا القارئ العالم في نظرهم وكذلك من يستخدمون الودع والحجارة فيلقونها على الأرض وقراءة ما توحيه لهم أشكالها التي تشكلت بها من خلال إلقائها على الأرض ولكنهم كلهم دجالون يحفظون تلك العبارات التي يقولونها عن ظهر قلب ويذكرونها دائما وربما صدق قارئ الفنجان أو ضارب الودع مرة ولكن تأكد أنها مصادفة بحتة والمصادفة كما تعلم ليست أساسا سليما للمعرفة الصحيحة
( ط ) التوقيع
قد ينظر أحد الأشخاص إلى توقيعك الذي خطته يدك ثم يقول لك انك متفائل أو متشائم أو عصبي المزاج أو عاطفي ... الخ وذلك في صورة متشابهة لقراءة الكف وهي أيضا نوع من الفراسة
( ي ) الحاسة السادسة
هي عبارة عن توقع الإنسان للحدث قبل وقوعه , ولكن هذه الحاسة السادسة يمكن أن نردها إلى نوع من الفراسة تميز الشخص العادي وليس الساحر , وهذه الفراسة هي شيء معنوي فطري في الإنسان يمكن تنميته بالخبرة والممارسة فقد يشعر الإنسان في وقت ما بهاتف داخله يخبره بما يتوقع حدوثه من أمور ويمكنه إدراك ذلك باستخدام عقله , كما قد ينتاب الشخص شعورا قويا بأن الخطر يكمن قريبا جدا منه مما يجعله متأهبا حذرا , ولكن إذا رجعنا إلى الوراء قليلا فربما وجدنا تجربة ما أو حادثة قد وقعت لهذا الشخص في نفس المكان أو في مكان قريب منه مما جعل هذا الشعور ينتابه مرة أخرى
( ك ) التمائم والاحجبة
يلجأ بعض السحرة والمشعوذون إلى كتابة أحجبة يحملها الشخص أو صاحب الحاجة حتى تقيه من شر ما أو تدفع عنه الأذى أو الخوف والمكروه أو لتحقق له ما يطلبه . والأحجبة عبارة عن كلمات متداخلة ببعضها أو خطوط متراكبة فوق بعضها أو كلمات أعجمية أو أسماء جن والحجاب بهذا الشكل هو إشراك بالله سبحانه وتعالى وكفر به وبقدرته لأنه لا يدفع الضر والأذى إلا الله سبحانه ويكفي من يخشى أمرا من الأمور أن يتلو آيات الله المحكمات حتى تقيه من الشر وتفتح له أبواب الخير والبركة كذلك فالتمائم أو التعاويذ ومفردها عوذ وهي ما يتعوذ به الناس لدفع الشر أو الأذى أو لتحقيق حاجة ما , وكانت عبارة عن خرزة صغيرة يعلقها الأعراب لأولادهم , وهذه التعاويذ أيضا من صور الإشراك بالله تعالى لأنه جل شأنه هو الذي يملك دفع الأذى وجلب الخير ولا أحد سواه يملك ذلك
5)شروط واعمال الساحر
العـقـــــــد الشـــــيطاني
العقد المبرم بين الساحر والشيطان هو عقد حقيقي وليس ضرب من الخيال وهو يعقد بين طرفين لإثبات بيع الساحر للشيطان روحه ونفسه ومتاعه نظير ما يمنحه الشيطان له من القوة والمقدرة لأتيان السحر وقد ذكر المحامي الكبير ( موريس جارسون ) وهو أحد أقطاب المحاماة في فرنسا وهو مرجع موثوق به في عالم السحر والسحرة
إن كل الإلتزامات الواردة في العقد من الطرف الأول وهو الساحر يقوم بها دون أي التزام نحو الطرف الثاني وهو الشيطان حتى يرجع الطرف الأول في حالة إخلال الشيطان بمساعدته وأضاف المحامي قائلا : ( إن لدي أحد هذه العقود ) . وفي عام ( 1619 م ) أعدمت الساحرة الكبيرة ( ستيفنون دي أوديرت ) المشهورة بساحرة ( البرنية ) وأظهرت للقاضي صورة عقد أبرمته مع الشيطان وهذا العقد عبارة عن قطعة قذرة من جلد القط أو الكلب ملوثة ومحررة بدماء الحيض وغيرها من القاذورات التي يستحيل على الأنسان أن يتحمل رؤيتها أو رائحتها الكريهة
وفي عام ( 1934 م ) تم إعدام الساحر الكبير ( أوربان جواندييه ) وقدم للمحكمة أقذر و أخبث عقد بينه وبين الشيطان و ما زالت صورة هذا العقد محفوظة بالمكتبة العمومية بباريس ويوجد بمكتبة ( أبسالا ) صورة العقد المبرم بين الشيطان و الساحر ( دانيال سالثنوس ) أستاذ اللغة العبرية , ولكنه باع روحه و نفسه فلقي حتفه سريعا ,, وبدفتر خانة كاتدرائية ( جرجينتي ) عقد عجيب يقولون أنه ممهور بتوقيع من الشيطان الكبير نفسه وقد حرره أحد القساوسة مع إبليس بالذات وبلغة معقدة جدا عجز عن حلها أساتذة اللغات أو ترجمتها أو معرفة أي نص من نصوصه وهو مكتوب سطور منحدرة هائلة ولم يفهم من العقد إلا اسم القس الذي وقع عليه
وقد شغل هذا العقد الكثيرون من رجال الدين والقضاء وما ورد فيه من شروط نصوص والتزامات كما جاء في كتاب الأسقف ( فرانسيسكو ماريا جوتش ) وعنوانه ( ميثاق الساحر مع الشيطان ) وقد ترجم هذا المؤلف إلى الأنجليزية و نشر بإنجلترا عام ( 1929 م )
تعريف الساحر و أعماله و الشروط التي يجب أن تتوافر فيه
( أ ) يببيع الساحر نفسه في حياته وبعد مماته للشيطان , وكذلك فأن كل ما يملك من مال وعقار وذرية هي ملك للشيطان يتصرف فيها كيف يشاء
( ب ) أن يكون لديه العناد والإصرار والقوة على التحمل إلى أقصى الحدود , وذلك حتى لا تتزعزع عقيدته الشيطانية ولو قاسى في سبيلها أشد وأقسى أنواع العذاب والإهانة . فهذه العقيدة هي العقيدة الوحيدة التي يؤمن بها والشيطان هو وليه الأكبر والذي يجب أن يتحمل في سبيله أشد ألوان العذاب
( ج ) أن يكون وقحا عديم الحياء والإحساس والضمير ولا يكون لديه ذرة من الرحمة أو العطف أو الحنان وغيرها من العواطف والاحساسات البشرية النبيلة التي ترفع من قدر الإنسان وتسمو به على الحيوانات المتوحشة
( د ) أن لا ترتعد فرائصه عندما يرى سيده إبليس أو أحد معاونيه وهم في صورة مفزعة منفرة . فالشيطان يحلو له أن يكون قبيح المنظر ويفضل دائما أن يتمثل في صورة بشعة وكذلك يجب على الساحر أن يكون قويا ثابت الجنان عندما يواجه الإعدام أو يلقى في النار ليحرق فيها جزاء على ما اقترفته يداه
( ه ) أن لا يتضجر ولا يتذمر إذا ماطله إبليس في تقديم المساعدة التي طلبها منه وبدلا من ذلك فعليه أن يلح بكل قوته في طلب هذه المساعدة وفي نفس الوقت يجب أن يكون على أهبة الاستعداد إذا طلب منه أن يأتي بأي عمل ينافي الأديان والآداب والأعراف والتقاليد التي تعارفت عليها البشرية وذلك عن رضا وطيب خاطر
( و ) إن يجتهد بكل قوة في أعماله السحرية وان يثابر ويواظب على دراستها والقيام بما تتطلبه من طقوس شيطانية واحتفالات إبليسية غير عابىء بما يمكن أن ينال غيره من جراء ذلك وعليه أن يحضر هذه الحفلات أو الأجتماعات في مواعيدها تماما وأن يؤدي هذه الطقوس في الأوقات المخصصة لها
( ز ) أن يكون جاهلا جهلا تاما , أما عن طبيعة أو بالاكتساب , بكل ما هو جميل وحميد ومستحسن وأن لا يرضيه إلا كل مستقبح ومستقدر
( ح ) أن يعتقد اعتقادا راسخا في قوة الشيطان ومقدرته ومقدرة أعوانه من الأرواح الشريرة الخبيثة وأن يطيع أوامرها ويخضع لشروطها وقوانينها مهما كانت قاسية ظالمة
( ط ) أن يكون عدوا لدودا لجميع الأديان وعليه أن يكون دائم السخط عليها والاستهزاء بها في كل مناسبة وأن يظهر ذلك على الملأ . ومحظور عليه تماما أن يدخل أي محل للعبادة إلا لغرض واحد فقط وهو تدنيسه أو سرقته أو تلويثه وان يتبرأ من دينه ومن جميع الكتب السماوية مع العمل على تمزيقها وحرقها وإساءة استعمالها
( ي ) أن يكون مستعدا لارتكاب أية جريمة خلقية وكل معصية ورذيلة مع الانغماس في الفجور والمعاصي دون أدنى تفكير في الكف عن ذلك مهما حدث
( ك ) أن يكون قذرا للغاية دنيء النفس ويجب أن يكون ذلك في غاية الوضوح عليه وعلى ملابسه فمحرم عليه استعمال الماء والصابون إلى الأبد وذلك حتى يكتسب مسكنه وجسده وملابسه رائحة نتنة كريهة تلازمه طيلة حياته
ويعرفه بها زملاؤه من السحرة عبيد الشيطان
( ل ) أن يقضي معظم أو كل وقته منزويا منطويا على نفسه بعيدا عن الناس قدر استطاعته , لا يتعامل معهم ولا يتصل بهم إلا إذا طلب منه ذلك لأغراض السحر أو إلحاق الضرر بالناس
ســـلوك الشـــيطان تجاه الســـاحر
وبعد أن عرضنا لكل ما يقوم به الساحر من أعمال شاقة و مجهودات ضخمة من أجل أن يرضي عنه الشيطان ويقبل أن يساعده واتضح لنا مقدار الذل والهوان الذي يعيش فيه الساحر وكمية المعاصي والمخازي التي يرتكبها عن طيب خاطر , وأن الساحر لا يبخل عن الشيطان بمال أو بأي شيء يخصه حتى روحه ذاتها يكون مستعدا لبذلها من أجل إرضاء الشيطان , وأما جزاء الساحر من الشيطان فأنه لا يتناسب مطلقا مع كل التضحيات الجسيمة التي يبذلها , فالشيطان هو أخبث و أقذر المخلوقات على الإطلاق وهو لا يعرف أي معنى للوفاء أو الكرم أو أي صفة من الصفات الحميدة , وذلك لأن عمل الساحر لا يدوم بصفة مستمرة حيث أنه يفسد بعد مدة محددة , فمن الأعمال السحرية ما يدوم ثلاثة أيام وهي أقل مدة ومنها ما يمكث أسبوعين أو شهرا ومنها ما يمكث سنوات وذلك حسب مقدرة الساحر والقرين الذي يتولى مساعدته ومركزه ونوع عمل السحر ذاته والمواد المستعملة فيه والغرض منه , فإذا ما أراد الساحر أن يستمر تأثير سحره وهو بالتأكيد يريد ذلك فأن عليه أن يعيد العمل ويكرره
هذه من الحيل الشيطانية البارعة التي تدل على عظم دهاء الشيطان وعن طريقها يتمكن الشيطان من ربط الساحر به طوال حياته ويرغمه على طلب مساعدته على الدوام ويشعره بحاجته الدائمة إليه حتى يستمر نجاحه في عمله وإذا حدث أن تعرض الساحر للمرض أو الفقر الشديد ( وغالبا ما ينتهي الساحر إلى الفقر والمرض ) أو نزلت به أو بأهله مصيبة فأن سيده الشيطان يتنكر له ويدعي عدم معرفته به ويتخلى عنه ويتركهه وحده يواجه قدره وعندما يأخذ الساحر في التوسل والإلحاح على الشيطان من أجل مساعدته على التخلص من بلواه فيظهر له الشيطان ويسخر منه ومما أصابه ويلوح له بصورة العقد الذي وقعه بيده ويخبره أن هذا العقد المبرم لا ينص على مساعدته أو تخليصه من النوائب التي تنزل به وأن الشيطان غير ملزم إلا بعمل شيء واحد وهو مساعدة الساحر في تحقيق أغراضه لإيذاء الغير أو لنشر الفساد بين الناس وإصابتهم بالضرر والمكروه , أما أن الشيطان يشفي الساحر إذا مرض أو يعيد إليه ماله إذا خسر أو يخلصه من السجن أو من الإعدام فأن هذه كلها أمور مفيدة لا يفهمها الشيطان ولا يعترف بها لأن كل عمله وجهده هو الضرر وإيذاء الناس وإيقاعهم في المعاصي وتزيين سبل الغواية لهم .
(6) تحصينات ضد السحر
من المعلوم أن الربط كثيرا ما يحدث للشاب عند زواجه خاصة إذا كان يعيش في مجتمع به سحرة فجرة ومن هنا يأتي أهمية هذا السؤال :
هل يمكن للعروسين أن يتحصنا ضد السحر , حتى إذا صُنِع لهما سحر لا يمكن أن يؤثر فيهما ؟؟
والجواب : نعم يمكن ذلك وإليكم التحصينات
الحصن الأول
تأكل سبع تمرات عجوة على الريق إن استطعت أن يكون من تمر المدينة المنورة فهذا هو المطلوب ,, وإن لم تستطع فأي تمر عجوة توفّر لديك .. لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من تصبّح سبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر )
الحصن الثاني
الوضوء
فإن السحر لا يؤثر في المسلم المتوضىء ,, وإن المسلم المتوضىء محروس بملائكة من قبل الرحمن جلّ وعلا
فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( طهّروا هذه الأجساد طهّركم الله , فإنه ليس من عبد يبيت طاهرا , إلا بات معه في شعاره ملك , لا ينقلب ساعة من الليل إلا قال : " اللهم اغفر لعبدك فإنه بات طاهرا ) ومعنى ( شعاره ) أي : " ما يلي بدن الإنسان من ثوب أو غيره "
الحصن الثالث
المحافظة على صلاة الجماعة
المحافظة على صلاة الجماعة تجعل المسلم في مأمن من الشيطان والتهاون فيها يجعل الشيطان يستحوذ على الإنسان , وإذا استحوذ عليه أصابه بالمس أو السحر أو غيرها من الأشياء التي يقدر عليها الشيطان , فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية )
الحصن الرابع
قيام الليل
من أراد أن يحصن نفسه من السحر فليقم شيئا من الليل ,, ولا يُهمل في ذلك ,, لأن الإهمال في قيام الليل يسلط الشيطان على الإنسان ,, وإذا تسلط عليك الشيطان كنت أرضا خصبة لتأثير السحر فيك .. فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ذُكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقيل : ما زال نائما حتى أصبح " أي أصبح لصلاة الفجر " ما قام إلى الصلاة " صلاة الليل " فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( بال الشيطان في أذنه ) .. وروى سعيد بن منصور عن ابن عمر : ( ما أصبح رجل على غير وتر إلا أصبح على رأسه جرير قدر سبعين ذراعا ) والجرير هو : حبل يخطم به البعير
الحصن الخامس
الاستعاذة عند دخول الخلاء
لأن الشيطان يستغل فرصة وجود المسلم في هذا المكان الخبيث الذي هو مسكن الشياطين ومأواهم ويتسلط عليه وكم من شيطان دخل في كذا إنسان لأنهم لم يستعيذوا بالله تعالى من الشيطان الرجيم عند دخولهم الخلاء فتسلط عليهم ,, فقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا دخل الخلاء : ( اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ) أي : من ذكران الشياطين وإناثهم
الحصن السادس
الاستعاذة عند الدخول في الصلاة
عن جبير بن مطعم رضي الله عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قال : ( الله أكبر , والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا ) ثلاثا ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من نفخه ونفثه وهمزه )
نفخه : الكبر ,, ونفثه : الشعر ,, وهمزه : الصرع والجنون
الحصن السابع
تحصين المرأة عند العقد عليها
بعد أن تعقد على زوجتك تدعو الله سبحانه وتعالى وتسأله خيرها وتتعوذ بالله تعالى من شرها
( اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه , وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه )
الحصن الثامن
افتتاح الحياة الزوجية بالصلاة
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ( إذا أتتك امرأتك " يعني يوم الدخول بها " فمُرها أن تصلي وراءك ركعتين وقل : اللهم بارك لي في أهلي , وبارك لهم في , اللهم اجمع بيننا ما جمعت بخير , وفرق بيننا إذا فرقت إلى الخير )
الحصن التاسع
التحصين عند الجماع
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال : بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا , فقضي بينهما ولد لم يضره )
الحصن العاشر
تتوضأ قبل النوم , وتقرأ آية الكرسي وتذكر الله تعالى , حتى يدركك النعاس , فقد صح أن الشيطان قال لأبي هريرة :
( من قرأ آية الكرسي قبل النوم لا يزال عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح ) وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فقال : ( صدقك وهو كذوب )
الحصن الحادي عشر
تقول بعد صلاة الفجر : ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ) مائة مرة فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من قال ذلك في يوم ( كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة , وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه )
الحصن الثاني عشر
تقول عند دخول المسجد ( أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم ) .. فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( فمن قال ذلك قال الشيطان : حفظ مني سائر اليوم )
الحصن الثالث عشر
تقول في الصباح والمساء ( بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم )
ثلاث مرات
الحصن الرابع عشر
تقول عند الخروج من البيت ( بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله ) .. لأنك إذا قلت ذلك قيل لك : ( كُفيت ووُفيت وهُُديت ويَتنحّى عنك الشيطان ويقول لشيطان آخر : كيف لك برجل قد هُدي وكُفي ووُقي !!
الحصن الخامس عشر
تقول صباحا ومساء ( أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق )
فهذه تحصينات مفيدة واقية من السحر عموما , ومن الربط خصوصا إذا طبقت بيقين وصدق وإخلاص
7)مجالـــس الشــــيطان
إن للشيطان أماكن يأوي إليها ويترصد الناس فيها ليكيدهم ويلحق الأذى والضرر بهم في دينهم ودنياهم فمن مجالسه
( أ ) الماء : جاء في الحديث عن جابر رضي الله تعالى عنه : قال (( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن إبليس يضع عرشه على الماء , ثم يبعث سراياه , فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة , يجيء أحدهم فيقول : ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته , قال : فيدنيه منه , ويقول : نعم أنت ))
( ب ) أماكن العبادة : قد يحضر الشيطان إلى دور العبادة ولذا أمر المصلون في جماعة بأن يسووا الصفوف في الصلاة وألا يدعوا بين صفوفهم فرجة للشيطان فيوسوس لهم , فأن الشيطان يأتي للمصلي ليلهيه عنها , ويشوش عليه فيها , جاء في الحديث عن جابر رضي الله تعالى عنه : قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول :(( أن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب . ولكن في التحريش بينهم ))
( ج ) أماكن اللهو : الأماكن هي مصائد الشيطان , فيها تؤتى الفواحش , وتهتك الأعراض , ويزين الشيطان فيها كل فجور وضلالة لمن قصدها
( د ) مواضع النجاسات : المراحيض والحمامات فأن الشيطان يرتاح للخبث وينظر إلى عورات الناس في المرحاض والحمام , لذا أمرنا أن نسمي الله قبل دخول الحمامات والمراحيض , ونقول : ( بسم الله اللهم أني أعوذ بك من الخبث والخبائث من الرجس النجس الشيطان الرجيم ) وذكر النووي في الأذكار (( ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول : بسم الله ))
( ه ) الأسواق ومفترق الطرق : هذه من أماكن الغفلة يجد الشيطان فيها طريقه إلى قلوب العباد فينشر فيها الفساد ويهيئها لما ير
اثبات وجود الجن
8)مداخــل الشــــيطان
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى : ( إنما يدخل على الناس بقدر ما يمكنه , ويزيد تمكنه منهم ويقل على مقدار يقظتهم وغفلتهم وجهلهم وعلمهم . واعلم أن القلب كالحصن وعلى ذلك الحصن سور , وللسور أبواب وفيه ثلم
( أي نوافذ ) وساكنه العقل والملائكة تتردد إلى ذلك الحصن , والى جانبه ربض فيه الهوى والشياطين , تختلف إلى ذلك الربض من غير مانع , والحرب قائم بين أهل الحصن وأهل الربض والشياطين لا تزال تدور حول الحصن تطلب غفلة الحارس والعبور من بعض الثلم فينبغي للحارس أن يعرف جميع أبواب الحصن الذي قد وكل بحفظه وجميع الثلم وأن لا يفتر عن الحراسة لحظة , فأن العدو ما يفتر )
وهذا الحصن مستنير بالذكر مشرق بالأيمان وفيه مرآة صقلية يتراءى فيها صور كل ما يمر به فأول ما يفعل الشيطان في الربض إكثار الدخان فتسود حيطان الحصن وتصدأ المرآة . وللعدو حملات : فتارة يحمل فيدخل الحصن فيكر عليه الحارس فيخرج وربما دخل فعاث ( أي أفسد ) وربما أقام لغفلة الحارس , وربما كدت الريح الطاردة للدخان فتسود حيطان الحصن وتصدأ المرآة , فيمر الشيطان ولا يدري به , وربما جرح الحارس لغفلته وأُسر واستخدم , وأقيم يستنبط الحيل في موافقة الهوى ومساعدته , وربما صار كالفقيه في الشر
قال بعض السلف : رأيت الشيطان فقال لي : كنت ألقى الناس فأعلمهم فصرت ألقاهم فأتعلم منهم . وربما هجم الشيطان على الذكي الفطن ومعه عروس الهوى قد جلاها فيتشاغل الفطن بالنظر إليها فيستأثره .
وأقوى القيد الذي يوثق به الأسرى : الجهل , وأوسطه في القوة : الهوى , وأضعفه : الغفلة , وما دام درع الأيمان على المؤمن فأن نبل العدو لا يقع في مقتل
أخيرا أعلم أن الشيطان لا يدخل إلا على ذي القلب الخالي من الذكر والتقوى والإخلاص واليقين فيلقي وساوسه فتجد المحل خاليا فتتمكن منه وتستقر فيه . كما قيل :
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلبا خاليا فتمكنا
وأما إذا كان القلب عامرا بالأيمان مسربلا بالتقوى , محصنا بالذكر فلا يكون للشيطان عليه سلطان ولا إليه سبيل
قال سبحانه وتعالى :
(( إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ))
(( إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ))
9)مصــائد الشــــيطان
مصائد الشيطان ومكان حبائله للفتنة والإغواء كثيرة ومنها :
( أ ) الاختلاء بالنساء الأجنبيات والمراد بالأجنبيات كل امرأة يحل للرجل نكاحها فالخلوة بهاعرضة للفتنة وعمل الشيطان . جاء في الحديث : (( ما اختلى رجل بامرأة أجنبية إلا وكان الشيطان ثالثهما ))
( ب ) إذا خرجت المرأة من بيتها متعطرة مبدية لزينتها , فأن الشيطان كما جاء في الخبر (( يجلس على مقدمة وجهها فيزينها لما أقبلت عليه ويجلس على عجيزتها يزينها لمن أدبرت عنه ))
( ج ) الشباب و الفراغ : إن الشباب والفراغ والجده مفسدة للمرء أي مفسدة
لذا جاء في الأثر ( إن الله يبغض الشاب الفارغ )) لأن الشباب إذا لم يشغل ظاهره بمباح يستعين به على مستقبل دينه ودنياه عشعش الشيطان في قلبه وباض وفرخ , ثم تزدوج أفراخه أيضا وتبيض وتفرخ , وهكذا يتوالد نسل الشيطان توالدا أسرع من توالد سائر الحيوانات لأن طبع الشيطان من النار والنار إذا وجدت الحلفاء اليابسة ازداد اشتعالهاوكذلك الشهوة في نفس الشاب الفارغ . قال أحد العارفين( هي نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل )
( د ) الخمر والميسر كلاهما مصيدة الشيطان لأن الخمر أصل كل فساد ومعصية , فهي تذهب بالعقل وتغري شاربها بفعل كل منكر فهي أم الكبائر , قال الله تعالى : (( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون )) وجاء في الحديث : (( لعنت الخمر بعينها , وشاربها , وساقيها , وبائعها , ومبتاعها , وعاصرها , ومعتصرها , وحاملها , والمحمولة إليه , وآكل ثمنها ))
( ه ) اللهو والغناء : هذان من أخطر مصائد الشيطان واللهو في اللغة : اللعب . والغناء : الصوت الذي يطرب وتغنى بالمرأة إذا تغزل بها . وقد وردت كلمة اللهو في القرآن فيما يزيد على خمسة عشر موضعا قال تعالى : (( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين )) قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه : لهو الحديث الغناء ينبت النفاق في القلب
وروي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( صوتان ملعونان فاجران أنهى عنهما : صوت مزمار ورنة شيطان عند نغمة ومرح . ورنة عند مصيبة لطم خدود , وشق جيوب ))
وفي حديث (( وما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث الله عليه شيطانين : أحدهما على هذا المنكب والآخر على هذا المنكب . فلا يزالان يضربان بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت ))
(10)إثبات وجود الجن
لا يخفى أن وجود الجن ليس من المستحيل عقلا وقد أجمع العلماء من عصر الصحابة والتابعين على ذلك خلافا لكثير من الفلاسفة والقدرية وكافة الزنادقة حيث أنكروا وجودهم وفي كلام بعضهم وكثير من القدرية يثبتون وجود الجن قديما وينفون وجودهم الآن ولعل مرادهم بالقديم زمان الأنبياء وفي كلام القاضي عبد الجبار من المعتزلة " المعتزلة : قوم ينكرون القدر ,ويقولون أن كل إنسان خالق لفعله أما الزنادقة فجمع زنديق وهم كل شاك أو ضال أو ملحد وأصل الزندقة القول بأزلية العالم وأطلق على الزردشتية والمانوية وغيرهم من التنوية ثم توسع فيه فأطلق على كل شاك زنديق أما عبد الجبار : فهو عبد الجبار بن أحمد بن عبدالجبار الهمذاني وكنيتهأبوالحسين قاض أصولي من أكبر رءوس المعتزلة لقب بقاضي القضاة وصنف كتبا كثيرة منها : تنزيه القرآن عن المطاعن وشرح الأصول الخمسة وهي أصول المعتزلة والمغني في أبواب التوحيد والعدل , مات سنة 415 هـ " قال عبد الجبار : الدليل على إثبات وجود الجن السمع دون العقل لأنه لا طريق له لإثبات أجسام غائبة وفيه نظر لأن هذا يؤدي إلى إنظار الملائكة : إلا أن يقال : الملائكة ليست أجساما وفي كلام بعضهم : ومعلوم بالإضطراري والضروري أنهم ( أي الجن ) أحياء عقلاء فاعلون بالإرادة ليسوا بصفات وأعراض قائمة بالإنسان أو غيره كما زعمه بعض الملاحدة " إنتهى "
وفي كون ذلك معلوما بالضرورة نظر لأنه لو كان كذلك لما خالف في ذلك أحد من أهل العقول , إلا أن يقال : عقول أصلها بارئها وفي كلام أبي العباس بن تيمية لم يخالف أحد من طوائف المسلمين في وجود الجن " إنتهى "
وهو يفيد ( أنه من أنكر وجودهم ليس من المسلمين , ويؤيده قول جمهور طوائف الكفار على وجودهم وقد تواترت به أخبار الأنبياء تواترا ظاهرا يعرفه العامة والخاصة لأنه يفيد أنه معلوم من الدين بالضرورة في كلام بعضهم لم ينكر وجود الجن إلا شرذمة قليلة من جهلاء الفلاسفة والأطباء
لم سميت جــنا ؟!
وسميت جنا , لإجتنابها أي : إستتارها عن الأعين ,, وكذلك سمي الولد في بطن أمه جنينا ويقال لهم : الشياطين وقيل : إن الشياطين إســم للعصاة منهم ,, والمردة منهم أشــد عصيانا والعفاريت أشــد عصيانا من المردة ففي آكام المرجان للشبلي " أن الشــياطين هم العصاة من الجن والمردة هم أعتاهم " ومن ثم قال بعضهم : منازل ورتب في الشيطنة ( إذا خبث الجني قيل له : شيطان فإن زاد على ذلك في الخبث قيل له : مارد فإن زاد على ذلك قيل له : عفريت وفي كلام بعضهم : أن من يساكن الإنس من الجن يقال له : عمار ومن يتعرض منهم للصبيان يقال لهم : أرواح ) ويقال : وقد جاء في الحديث (( إن المولود إذا أذن " يعني وقت ولادته " بالأذان في أذنه اليمنى وبالإقامة في أذنه اليســرى لم تحضره أم الصبيان )) أي التابعة من الجن " ضعيف كما قال الألباني " والصحيح ما رواه أبو رافع عن أبيه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسين بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة " وأما الحن " بالحاء المهملة " فنوع من الجن ,, قيل هم كلابهم وسفلتهم
متى خلقوا ؟
خلق الجن قبل آدم بألفي ســـنة ,, وكان خلقهم " يوم الخميس "
وعن إبن عباس رضي الله تعالى عنهما ( لما خلق الله " شوميا " ( في آكام المرجان للشبلي " سوميا " وفي لقط المرجان " سمومان " ) الذي هو " أبو الجن " خلقه الله من مارج من نار والمارج لهب النار ويقال له : لسان النار وهو ما يعلو منها إذا التهبت فتارة يكون أصفر وتارة يكون أخضر وهذه النار جزء من سبعين جزءا من نار جهنم وقيل : هي نار الشمس وهذا المارج المذكور نار السموم وعن إبن عباس من نار السموم من أحسن النار ولعل المراد بالأحسن الأعظم ولما خلقه الله قال له : تمنّ فكان من جملة ما تمناه أن يَرُوا ولا يُرَوا فمكث هو وأولاده في الأرض يعبدون الله فلما طال عليهم الأمد عصـوّا وكان فيهم ملك يقال له ( يوسـف ) ويقال : إنه كان نبيا ويقال : إن الله أرسله إليهم فقتلوه ! فأرسل الله عليهم جندا من الملائكة ( ملائكة سماء الدنيا ) يقال لهم : الجن : منهم إبليس كان مقدما فيهم ورئيسا عليهم وعلى هذا يمكن حمل قول من قال : إبليس أبو الجن كما أن آدم أبو الإنس وقيل لهم الجن لأنهم كانوا خزنة الجنة
( أخرج إبن المنذر عن إبن عباس قال : كان إبليـس من أشرف الملائكة من أكبرهم قبيلة وكان خازن الجنان والخازن : الحارس ) خلقهم الله تعالى مما خلق منه " شوميا " أبو الجن وهو نار السموم وما عداهم من الملائكة خلقهم الله سبحانه من " نور " فنفوا أولئك العصاة من الأرض وألحقوا بجزائر ( مفردها جزيرة وهي كل مكان إنقطع عن معظم الأرض ) البحر وسكن أولئك الملائكة تلك الأرض وأحبوا المكث فيها فمكثوا فيها قبل خلق آدم أربعين سنة ولما أراد الله تعالى خلق آدم قال لأولئك الملائكة أو لهم مع بقية ملائكة السموات دونهم : (( إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسـد فيها ويســـفك الدماء )) أي : كالجن الذين نفوا من الأرض وجاء في بعض الروايات أنهم لما قالوا ذلك خافوا أن يكونوا عصوا الله تعالى بما ردوه عليه فلاذوا بالعرش يطوفون به ويستغفرونه من ذلك فلما أسجدهم لآدم قالوا : هو أكرم على الله منا غير أنا أعلم منه فلما أنبأهم بما لا يعرفونه علموا أن آدم أعلم منهم
حقيقة إبليس أهو من الملائكة أم من الجن ؟!
إختلف العلماء في كون إبليـس من الملائكة أم من الجن فذهب فريق منهم إبن عباس إلى أن إبليس من الملائكة واستدلوا بقوله تعالى : ((( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليـس ))) فالإستثناء لا يكون من غير الجنس وهذا هو المشهور في لغة العرب بدليل أنه لا يكون من المستحسن أن نقول : فتـح الخبازون إلا فلانا ونريد فلانا الحداد , ولا يليق أن نقول : رأيت الناس إلا حمارا ,, فإن قيل أنّ الله خصّ إبليس بإســمه فقال ((( إلا إبليس كان من الجن ))) فالجواب : أن الجن نوع من الملائكة كما يقال : الخزنة والزبانية وهم كلهم جنس واحد يشتمل على أنواع , كما أن الآدميين يصنفون إلى زنج وعرب وعجم ولأن إبليـس أمر بالسجود لآدم لأنه من الملائكة وإلا لما كان مأمورا ويقصدون بالجن أيضا أنهم خزنة الجنـة ويرى إبن عباس : أن إبليـس كان من حي من أحياء الملائكة يقال لهم " الجن " خلقوا من نار السموم من بين الملائكة وكان إسمه الحارث , وكان خازنا من خزان الجنـة , وخلقت الملائكة من نــور غيــر هذا الحي وذهب فريق آخر منهم الحسن البصري إلى أن إبليس كان من الجن واستدلوا بقوله تعالى في سورة الكهف ((( إلا إبليس كان من الجن ))) فالله سبحانه قد أخبر أنه من الجن فغير جائز أن ينسب إلى غير ما نسبه الله إليه كما استدلوا بقوله تعالى ( ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون * قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجــن ) وهذه الآية صريحة في الفرق بين الجن والملك , كما أن إبليس له ذرية لقوله تعالى : ( أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني ) والملائكة لا ذرية لهم كما أن الملائكة معصومون وإبليس لم يكن كذلك فوجبأن لا يكون منهم كما أن الجن خلقوا من نار والملائكة خلقوا من نور وأيضا لأن الملائكة رسل لقوله تعالى ( جاعلالملائكة رسلا ) ورسل الله معصومون ويؤكد الإمام الحسن البصري هذا الرأي حيث يقول : ما كان إبليس منالملائكة طرفة عين قط وأنه لأصل الجن كما أن آدم أصـل الإنس وكان رضي الله عنه يقول : قاتل الله أقواما يزعمـون أنإبليس كان من ملائكة الله والله تعالى يقول : كان من الجن والله تعالى أعلم بالصواب
قيل : إن إبليس كان من الجن الذين نفوا من الأرض كان صغيرا فتشبه بالملائكة فكان معها فلما أمروا أن يسجدوا لآدم سجدوا إلا إبليس فعلى الرواية الأولى يكون إبليس من الجن الذين هم الملائكة وعلى هذه الرواية الثانية يكون من الجن الذين نفوا من الأرض فكونه من الملائكة على هذه الرواية الأولى واضح وأما على الرواية الثانية فعلى التجوز لأنه كان مع الملائكة يتعبد عبادتهم أما دخول إبليس في جملة الملائكة المأمورين بالسجود فقيل : إنه كان من الجن الذين مسكنهم الأرض لكن كان قد أذن في مساكنة الملائكة لحسن عبادته وشــدة إجتهاده فلما طال إختلاطه بالملائكة وصار كواحدا منهم فلذلك تناوله الأمر
وقوله تعالى (( كان من الجن )) ظاهر في ذلك وحينئذ لا تنافي بين قوله تعالى (( إلا إبليس كان من الجن )) وبين قوله تعالى (( وإذ قلنا للملائكة اســجدوا لآدم فســجدوا الا إبليس )) الدال على أنه منهم وأيضا لو لم يكن منهم وعلم إنصراف الأمر إلى قوله (( أنا خير منه )) وإلا لقال أنا لسـت من الملائكة فلم يتوجه عليه اللوم وفي حياة الحيوان : الصحيح أنه من الملائكة وعن إبن عباس كان إسم " إبليس " حين كان مع الملائكة " عزازيل " وكان من ذوي الأجنحة الأربعة فلما لعن سمي " إبليس " لأنه أبلس أي : أبعد من رحمة الله وقيل : كان إسمه قبل ذلك " الحارث " وقيل " يافل " وكنيته " أبومرة "
(11)قصص على تزاوج الجن والإنس
قال إبن الدنيا في الهواتف : حدّثنا بشر بن يسار بن عبد الله , حدّثنا أبو الجنيد العزيز , حدّثنا عقبة بن عبد الله : أنّ رجلا أتى الحسن إبن أبي الحسن , فقال : يا أبا سعيد إن رجلا من الجن يخطب فتاتنا ؟ فقال الحسن : لا تزوجوه ولا تكرموه , فأتى قتادة فقال : يا أبا الخطاب , إنّ رجلا من الجن يخطب فتاتنا ؟ فقال : لا تزوجوه ولكن إذا جاءكم فقولوا : إنا نخرج عليك إن كنت مسلما لما انصرفت عنّا ولم تؤذنا , فلما كانوا من الليل جاء الجن حتى قام على الباب فقال : أتيتم الحسن فسألتموه ! فقال لكم : لا تزوجوه ولا تكرموه , ثم أتيتم قتادة فسألتموه ! فقال : لا تزوجوه ولكن قولوا له : إنا نخرج عليك إن كنت رجلا مسلما لما انصرفت عنّا ولم تؤذنا .. فقالوا له ذلك , فانصرف عنهم ولم يؤذهم ..
وقال حرب : حدّثنا إسحاق , قال : أخبرني محيدق وهو شيخ من أهل مرو , قال : سمعت زيد العمى يقول : اللهم إرزقني جنّية أتزوجها . قيل له : يا أبا الحوارى وما تصنع بها , قال : تصحبني في أسفارها حيثما كنت كانت معي ..
وقال أبو عثمان بن سعيد الدارمي في كتاب : " إتبّاع السنن والآثار " : حدّثنا محمد بن حميد الرازي , حدّثنا أبو الأزهر حدّثنا الأعمش حدّثني شيخ من بجيلة , قال : علّق رجل من الجن جارية لنا , ثم خطبها إلينا , وقال : إني أكره أن أنال منها محرما . فزوجناها منه . قال : فظهر معنا يحدّثنا , فقلنا : ما أنتم ؟ قال : أمم أمثالكم وفينا قبائل كقبائلكم . فقلنا : هل فيكم هذه الأهواء ؟! قال : نعم فينا من كل الأهواء : القدرية والشيعة والمرجئة . قلنا : ممن أنت ؟
قال : من المرجئة ..
وقال أحمد بن سليمان النجار في أماليه : أخبرنا أسلم بن سهل , حدّثنا علي بن الحسين بن سليمان أبو الشعثاء الحضرمي " أحد شيوخ مسلم " حدّثنا أبو معاوية : سمعت الأعمش يقول : تزوج إلينا جنيّ , فقلت له : ما أحبّ الطعام إليكم ؟ قال : الأرز . قال : فأتيناهم به فجعلت أرى اللقم تُرفع ولا أرى أحدا , فقلت : فيكم من هذه الأهواء التي فينا ؟ قال : نعم , فقلت : فما الرافضة فيكم ؟ قال : شرنا .. قال الحافظ أبو الحجاج المزني : هذا إسناد صحيح ..
وقال أبو بكر الخرائطي : حدّثنا أحمد بن منصور الرمادى , قال : شهدت نكاحا للجن وتزوج رجل منهم إلى الجن , فقيل له : ما أحب الطعام إليكم ؟ قال : الأرز . قال الأعمش : فجعلوا يأتون بالجفان فيها الأرز فتذهب ولا نرى الأيدي ..
وقال إبن أبي الدنيا : حدّثني عبد الرحمن , حدّثني عمر , حدّثني أبو يوسف السروجى , قال : جاءت إمرأة إلى رجل بالمدينة فقالت : إنا نزلنا قريبا منكم فتزوجني فتزوجها , فكانت تأتيه بالليل في هيئة إمرأة , ثم جاءت إليه فقالت : قد حان رحلينا فطلقني , فبينما هو في بعض طرق المدينة إذ رآها تلتقط حبّا مما يسقط من أصحاب الحبّ , قال : أتبيعينه ؟ فرفعت عينها إليه فقالت : بأي عين رأيتني ؟ قال : بهذه . فأومأت بأصبعها فسالت عينه ..
وقال العلامة الشبلي : حدّثنا قاضي القضاة جلال الدين أحمد إبن قاضي القضاة حسام الدين الرازي الحنفي قال : سفر بي والدي لإحضار أهله من المشرق , فلما جزت ألبيرة " إسم مدينة " ألجأنا المطر إلى أن نمنا في مغارة فكنت في جماعة فبينما أنا نائم إذ أنا بشيء يوقظني فانتبهت فإذا أنا بإمرأة وسط من النساء لها عين واحدة مشقوقة بالطول فارتعت , فقالت : ما عليك إنما أتيتك لتتزوج إبنة لي كالقمر , فقلت لخوفي منها : على خيرة الله تعالى , ثم نظرت فإذا برجال قد أقبلوا فنظرتهم فإذا هم كهيئة المرأة التي أتتني , عيونهم كلها مشقوقة بالطول في هيئة قاض وشهود , فخطب القاضي وعقد , فقبلت , ثم نهضوا وعادت المرأة ومعها جارية حسناء إلا أن عينها مثل عين أمها , وتركتها عندي وانصرفت , فزاد خوفي واستيحاشي وبقيت أرمي من كان عندي بالحجارة حتى يستيقضوا فما انتبه منهم أحد , فأقبلت على الدعاء والتضرع , ثم آن الرحيل فرحلنا وتلك الشابة لا تفارقني , فذهب على هذا ثلاثة أيام , فلما كان في اليوم الرابع أتت المرأة التي جاءتني أولا , وقالت : كأنّ هذه الشابة ما أعجبتك وكأنك تحبّ فراقها ؟! فقلت : أي والله , قالت : فطلقها , فطلقتها , فانصرفت ولم أرها بعد .. فسأله القاضي شهاب بن فضل الله : هل أفض إليها ؟ قال : لا ..
(12)التنويم المغناطيسي : سحر أم علاج؟
إذا كان المقصود بالتنويم المغناطيسي ما يفعله السحرة والمشعوذون فهذا حرام لأنه قائم على الاستعانة بالجن، وهذه الاستعانة حرام.
أما إذا كان المقصود بهذا العلاج الاعتماد على نظريات الإيحاء والتأثر التي تساعد الإنسان على النوم ويتم علاجه وهو لا يحس كالبنج فلا بأس.
يقول د. خالد بن عبد الله القاسم عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود :
ما يسمى بالتنويم المغناطيسي يطلق على ثلاثة أضرب:
الضرب الأول : وهو الشائع المنتشر ويفعله السحرة باستخدام الجن، وهذا النوع محرم؛ لأن إتيان السحرة حرام، والساحر كافر بنص القرآن الكريم " وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر " [البقرة : 102]. حيث لا يمكّن الجن الساحر من السحر إلا بعد أن يشرك بالله – تعالى -، ومن ذلك الذبح لغير الله، أو إهانة المصحف الشريف، أو الاستهزاء بآيات الله -تعالى- ، أو السجود للشياطين، وغير ذلك من الكفر البواح .
ولا يتصور من هذا الساحر الكافر أن يدل على الفضائل، أو يخلص أحداً من الصفات الذميمة، إذ أن السحر ضار غير نافع كما قال – سبحانه -:" ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم " [البقرة : 102] وقال - سبحانه -: " ولا يفلح الساحر حيث أتى " [طه :69]
والسحر من السبع الموبقات التي حذر منها النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح، وهو أشد من الزنى وشرب الخمر.
وإني أنصح كل مسلم بتجنب السحرة والمشعوذين والكهنة والعرافين، وقد قال - عليه الصلاة والسلام -: " من أتى كاهناً أو عرَّافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد " أخرجه الإمام أحمد في المسند وقال - عليه الصلاة والسلام -: " من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة " أخرجه مسلم في صحيحه.
الضرب الثاني: نوع من الدجل والاتفاق مع بعض الحاضرين لا سيما في أماكن الجمهور لأكل أموال الناس بالباطل ولفت الانتباه.
الضرب الثالث: طب نفسي وهو عن طريق الإيحاء والتأثير على المريض وتطويعه إلى ما يراد له، وهذا ما يسأل عنه السائل، وهو علم صحيح ولكنه محدود التأثير.
والمغيّر فعلاً لتلك الصفات السيئة والمنشئ للصفات الحميدة هو الإيمان بالله – تعالى -، والعمل الصالح، ودعاء الله - عز وجل -، والالتجاء إليه، وهو مسبب الأسباب، وهو قريب من عباده " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان " [البقرة : 186].
وكما هو معلوم أن من أكبر أسباب الهداية والفلاح والتخلص من الأخلاق الذميمة قوة العزيمة، ومجاهدة النفس، والصبر، وغير ذلك من الأسباب الشرعية المعلومة. أهـ
ويقول د سالم أحمد سلامة ـ أستاذ الشريعة فلسطين:
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ما أنزل داء إلا وأنزل له دواء ألا فتداووا". فعلينا أن نبحث عن الدواء عند المهرة من الأطباء.
وكل علاج سواء كان ماديا أو معنويا لم يورد الشارع الحكيم فيه نصا للحرمة أو التحريم؛ فالأمر فيه على الحِلّ، فهذا التنويم المغناطيسي إن كانت تستعمل فيه بعض الأدوات الكهربائية فتساعد الإنسان على النوم، ويتم علاجه وهو لا يحس كالبنج، فلا بأس به.
أما إن كان يستعمل خزعبلات كالذين يستدعون الجن ومردتهم ويوهمون الناس بسحرهم أنهم ينومونهم مغناطيسيا؛ فهؤلاء ينطبق عليهم تحريم الذهاب إلى السحرة وإلى الكهان؛ لأن من ذهب إليهم فسألهم وصدقهم فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وليسأل أهل الخبرة في ذلك المجال من الأطباء المسلمين المهرة العدول.
(13)تحضير الأرواح: رؤية فقهية
فإن من يزعمون أن لديهم قدرة على تحضير الأرواح فهؤلاء إما دجالون ومشعوذون، وإما سحرة لهم اتصال بالجان، والشخصيات التي تحضر وتزعم أنها أرواح من سبقونا من الأهل والأحباب، ليست إلا شياطين وقرناء من الجن يلبسون على الناس ما يلبسون، ولذلك فالواجب الحذر من أمثال هؤلاء حتى لا يفسدوا علينا ديننا ودنيانا بكذبهم وتضليلهم، أما أروح الموتى فعلمها عند الله تعالى، وهي منشغلة بما آل إليه مصيرها فهي إما منعمة وإما معذبة، فكيف تنشغل الروح بمثل هذه الأمور التي وردت في الرسالة وقد رأت من هول القبر والحساب ما رأت، وهذا ما أفتى به فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي فيقول فضيلته:
فالشخصيات التي تحضر وتزعم أنها أرواح من سبقونا من الأهل والأحباب، ليست إلا شياطين وقرناء من الجن يلبسون على الناس ما يلبسون.
لا ريب أن الناس في حيرة أمام هذه الأسئلة، وهم يسمعون من هذا ما يناقض ذاك، وهم يريدون أن يخرجوا من هذه الحيرة والبلبلة برأي ديني صحيح صريح يضع الحق في نصابه، ويرد الناس إلى الصراط المستقيم.
والذي لا نستطيع أن ننكره، أن هناك أشياء خفية تحضر في جلسات التحضير رآها الكثيرون رأي العين تحرك السلال والأقلام تكتب وتجيب، أحيانًا بالخطأ وأحيانًا بالصواب، وإنكار هذا مكابرة في نظر من شاهدوا تلك الظاهرة، وهرب من مواجهة المشكلة بما يزيد الإشكال.
والذي نعتقده كذلك نحن المؤمنين بالأديان أن في الكون قوى غير منظورة وعوالم كثيرة غير محسوسة، منها:.
1-أرواح الموتى: فعقيدتنا أنها باقية بعد الموت، وأنها لا تفني بفناء الجسد، وأنها تنعم أو تعذب، وأن القرآن أخبرنا عن الشهداء، أنهم: (أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ) (سورة آل عمران: 169، 170) . وهذا طبعًا بالنسبة لأرواحهم أما أجسادهم فقد تكون عظامًا نخرة أو ترابًا مبعثرًا.
وقد أخبر النبي أن الميت يسمع قرع نعال المشيعين له إذا انصرفوا عنه. (رواه مسلم من حديث أنس ).
وقد شرع النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته إذا سلموا على أهل القبور، أن يسلموا عليهم سلام من يخاطبونه فيقولون: " السلام عليكم دار قوم مؤمنين أنتم السابقون ونحن اللاحقون " (رواه مسلم من حديث عائشة) .. وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل، ولولا ذلك لكان هذا الخطاب بمنزلة خطاب المعدوم والجماد: (قال ابن القيم في كتاب " الروح ": والسلف مجمعون على هذا، وقد توافرت الآثار عنهم بأن الميت يعرف زيارة الحي له ويستبشر به ).
وهذا بناء على أن الروح ذات قائمة بنفسها كما هو مقتضى أصول أهل السنة، وقد تظاهرت على ذلك أدلة القرآن والسنة والآثار والاعتبار والعقل والفطرة وأقام ابن القيم رحمه الله على ذلك أكثر من مائة دليل . وقد خاطب الله النفس بالرجوع والدخول والخروج، ودلت النصوص الصريحة على أنها تصعد وتنزل وتقبض وتمسك وترسل وتنفتح لها أبواب السماء وتسجد وتتكلم ... إلخ . ما ورد.
2-الملائكة،وهم خلق نوراني غير محسوس، يقومون بوظائف شتى منها حفظ الإنسان، وكتابة أعماله وتوفى روحه (إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ) (سورة الطارق: 4) (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ) (سورة الرعد: 11)، (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ) (سورة الانفطار: 10، 11)، (قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) (سورة السجدة: 11)، (الذين تتوفاهم الملائكة طيبين) (سورة النحل: 32)، (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا). (سورة فصلت: 30 ).
وعالم الملائكة عالم مفطور على طاعة الله، ليس له شهوة تفتنه عن ذكره (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ) (سورة الأنبياء: 20)، (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ). (سورة التحريم: 6 ).
3-الجن،وهم عالم روحي آخر، ولكنهم مكلفون كالإنسان، ولذلك يوجه القرآن الخطاب إلى الفريقين " يا معشر الجن والإنس " (سورة الرحمن: 33 ).
وفي القرآن سورة كاملة عن الجن تحدثوا فيها عن أنفسهم وعن علاقتهم برجال من الإنس، وأن منهم المسلمين ومنهم القاسطين (فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً. وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) (سورة الجن: 14)، والكفرة من هؤلاء الجن هم الشياطين وهم ذرية إبليس وجنوده وقد قال الله عنهم: (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ). (سورة الأعراف: 27 ).
إذا عرفنا هذا فمن أي هذه العوالم الثلاثة تلك الأرواح الخفية التي تحرك السلال والأقلام ؟.
لا نستطيع أن نقول: إنها أرواح الموتى الذين كانوا معنا بالأمس، فإن كثيرًا من هذه الأرواح المستحضرة، تدخل فيما لا يعنيها، وتفتي بما لا تعلم وتقول ما لا تعرف وتكذب في أشياء، وتتطاول على الغيب الذي استأثر الله به، وما نظن أرواح الموتى فارغة لهذا العبث، فهي إما في نعيمها أو عذابها، في روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار.
والعجيب أننا لم نسمع عن روح واحدة لكافر أو فاجر صدقت الناس ما تعانيه من عذاب الله الذي أخبر القرآن أنها تلقاه بمجرد الموت (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ) (سورة الأنعام: 93)، (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ) (سورة الأنفال: 50)، (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) (سورة غافر: 46)، (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ . وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ . وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ . فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ. تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ . فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ. فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ . وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ . فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ . وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ . فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ . وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ. إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ). (سورة الواقعة: 83 - 95 ).
فهذه منازل الأرواح عقب الموت، وقد صرحت الآيات بأن أرواح المكذبين الضالين لها نزل من حميم وتصلية جحيم.
فهل يمكن أن تكون أرواح الكفار والملحدين العصاة طليقة من كل قيد بحيث . تذهب حيث تشاء وتستجيب لكل من يطلبها لا رقيب عليها ولا حسيب ؟!.
وفي الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتلى بدر من المشركين فألقوا في قليب - بئر - ثم جاء حتى وقف عليهم وناداهم بأسمائهم: " يا فلان ابن فلان ويا فلان ابن فلان، هل وجدتم ما وعد ربكم حقًا ؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقًا، فقال له عمر: يا رسول الله، ما تخاطب من أقوام قد جيفوا ؟ فقال: والذي بعثني بالحق، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون جوابًا ".
فإذا كانت هذه الأرواح لا تستطيع مجاوبة النبي الكريم وهو أعمق البشر حاسة روحية، وأوصل الناس بعوالم الغيب، فكيف بغيره من بني الإنسان ؟.
وقد استدل بعضهم على جواز استحضار الموتى بقراءة القرآن بقوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى). (سورة الرعد: 31 ).
والحق أن في الآية دلالة واضحة على أن تكليم الموتى بالقرآن ممتنع فقد ورد في سبب نزولها أن مشركي مكة اقترحوا على النبي تعنتًا أن يسير بقرآنه الجبال عن مكة فتتسع لهم، ويتخذوا فيها البساتين، وأن يفجر بقرآنه الأرض عيونًا وأنهارًا، وأن يتلوه على موتاهم فيخاطبوهم ويخبروهم بصدقه، فأنزل الله هذه الآية (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى) أي لو أن قرآنًا سيرت به الجبال ... إلخ . لكان هذا القرآن . وكلنا يعلم أن (لو) تفيد امتناع جوابها لامتناع شرطها.
وإذا كانت هذه الأشياء الخفية التي تحضر أو تستحضر ليست هي أرواح الموتى فإنا نعتقد كذلك أنها ليست ملائكة، فهي كما قلنا تكذب وتتناقض وتستطيل على الغيب، وتزعم لنفسها أسماء من البشر، وما هكذا تكون الملائكة، بل هم عباد لله مكرمون (لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ). (سورة الأنبياء: 27
لم يبق بعد هذا إلا أن تكون هذه القوى الخفية من عامل الجن والشياطين، وفي العقيدة الإسلامية متسع لمثل هذا، فوجود الجن والشياطين حقيقة مقرة، ومع كل إنسان قرينه من الشياطين كما معه قرينه من الملائكة . وفي الحديث " ما من أحد إلا وله شيطان " (رواه مسلم) وفي القرآن: (قال قرينه: ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد). (سورة ق: 27).
ومن حسن الحظ أن هذا الذي نعتقده قد قاله سكرتير جمعية الأهرام الروحية الأستاذ حسن عبد الوهاب الذي استقال منها، وأعلن توبته ووزع منشورًا يذيع فيه رأيه على الناس، وقد نشرته صحيفة الجمهورية في 23 من رمضان سنة 1379هـ، منه هذه الفقرات: " لقد أزال الله عن قلبي في شهر رمضان غشاوة الضلال، وثبت لي أخيرًا ثبوتًا قاطعًا لا شك فيه أن الشخصيات التي تحضر وتزعم أنها أرواح من سبقونا من الأهل والأحباب، ليست إلا شياطين وقرناء من الجن يلبسون على الناس ما يلبسون، والآن وأنا أودع هذه الحقبة الشقية من عمري، أجدد إسلامي، وأستعيد إيماني، وأودع زملاء أعزاء، لا أحمل لهم في قلبي إلا كل عطف وإشفاق ورثاء، ملحًّا على الله في الدعاء أن ينير بصيرتهم، وينقذهم من أوحال هذه العقيدة الفاسدة.. ".
ثم ما الغرض الذي من أجله تستحضر الأرواح ؟ أهو سؤالها عما كان وما يكون من شئون غيبية ؟.
ومن قال: إن الأرواح - جنًا أو ملائكة وغيرها - تطلع على الغيب المطلق وتخبر به ؟ والله يقول في شأن الجن مع سليمان: (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ) (سورة سبأ: 14) ويقول على لسانهم: (وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً) (سورة الجن: 10) ويعلن عن موقف الخلق جميعًا بالنسبة للغيب فيقول: (قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) (سورة النمل: 75) (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا) (سورة الأنعام: 59) ويقول على لسان خاتم الرسل: (وَلَوْ كُنتُ
أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ). (آية: 188 سورة الأعراف ).
وهل هذا الاستنطاق بالغيوب إلا من قبيل الكهانة والتكهن الذي أعلن الإسلام الحرب عليه: " من أتى عرافًا أو كاهنا فسأله فصدقه بما قال فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - (رواه أحمد والحاكم وصححه وأقروه)، " ليس منا من تكهن أو تكهن له " (رواه الطبراني والبزار عن عمران بن حصين بإسناد حسن) إنها الكهانة القديمة في زي جديد.
وما يصدق أحيانًا من بعض ما تخبر به تلك الأرواح ليس غيـبًا حقيقيا، بل هو غيب نسبي مما يعرفه بعض الناس عن بعض، ويعرفه قرناء الإنسان من الجن والإنس . وما أقل ما يصدق وما أكثر الكذب والخلط في تلك التنبؤات، ولكن الناس عادة ينسون الكذب في 99 مرة ويتذكرون الصدق مرة واحدة ولعله صدفة من الصدف.
أم أن الغرض من تحضيرها هو العلاج الروحي كما يقال ؟.
وندع سكرتير الجمعية الروحية المستقيل يجيب عن هذا فيقول: " أما عن بدعة العلاج الروحي الذي تعلن عنه جمعية الأهرام الروحية بين حين وآخر فهي عملية إيحاء وهمي، وأنا شخصيًا أنفقت نصف عمري في هذه العملية، وكنت مريضًا طيلة هذه المدة بأكثر من مرض لازمني إلى اليوم، وكان من الأولى - وأنا مؤسس الجمعية وصاحب أكبر مكتبة روحية، أن أعالج نفسي، أقولها بكل أسف: لم يحدث شيء من هذا.... ".
إن نبي الإسلام قد اتخذ الأسباب الظاهرة في الوقاية والعلاج، وقال - فيما رواه البخاري -: " إنما الشفاء في ثلاثة: شربة عسل، أو شرطة محجم، أو كية بنار " . فحصر الشفاء فيما يعرفه الناس في زمنه وفق السنن المعتادة، وقد احتجم هو، وأمر بالحجامة لغيره وبعث بطبيب إلى بعض الصحابة، وحارب تعليق التمائم والودع وغيرها مما يزعم الناس أثره الخفي في العافية والشفاء وقال: " من علق تميمة فلا أتم الله له، ومن علق ودعة فلا ودع الله له " (رواه أحمد والحاكم والطبراني عن عقبة بن عامر ورجالهم ثقات كما في الفيض) . " من علق تميمة فقد أشرك ". (رواه أحمد والحاكم وأبو يعلى بإسناد جيد كما في الفيض ).
فما الغرض إذن من وراء هذه الظاهرة وإذاعتها وشغل الناس بها في هذه الآونة اللهم إلا بلبلة الأفكار، واضطراب العقائد، وصرف الناس عن الجد باللعب واللهو، والحياة حولنا لا تلهو ولا تلعب ؟ . ولقد أثبت بعض الباحثين أن وراء ظاهرة تحضير الأرواح يد الصهيونية العالمية، التي تستغله لتحقيق أهدافها في دنيا الناس. (انظر بحث الأستاذ الدكتور محمد محمد حسين " الروحية الحديثة دعوة هدامة " ففيه حقائق ومعلومات ذات خطر لابد أن تُعرف ).
ربما كان للغرب عذر إذا انشغل بمثل هذه الأشياء ليرفه عن نفسه ويخفف بها غلواء ماديته، فقد أغرقته المادية إلى أذنيه، فلا عليه إذا تسلى بالأرواح وتحضيرها بعد أن حطّم الذرة وغزا الفضاء.
أما نحن الذين نحفر الصخر بأظافرنا لنصل ما انقطع، ونتدارك ما فات، ونلحق بالركب بل نسبقه إن أمكن، فكيف نشغل أنفسنا بمثل هذا العبث، وعندنا من روحانية ديننا، وفلسفة عقائدنا، وخصوبة إيماننا ما يغذي أشواقنا الروحية ويشبع نهمنا الوجداني والفطري، وينير بصائرنا، ويفسر لنا حقيقة الكون والحياة والإنسان!
أما إن كان في هذا الشر من خير فهو ما تتضمنه هذه الظاهرة من شيء تغص به حلوق الماديين الملحدين الذين ينكرون كل ما لا يحس، ويجحدون ما وراء المادة ولا يذعنون إلا لما يدخل المعمل، وما يخضع للمجهر، والمخبار، فلا روح ولا جن ولا ملائكة فهل يستطيعون بمقاييسهم المادية أن يفسروا لنا هذه القوى الخفية المجهولة ؟! كلا، إنهم يفرون من ذلك بالسكوت أو المكابرة والإنكار.
أما المؤمنون فهم لا يغمضون أعين قلوبهم عما في الكون من قوى وعوالم منظورة حدثهم عنها قرآنهم العزيز وصدق الله (فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ . وَمَا لَا تُبْصِرُونَ . إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ). (سورة الحاقة: 38 - 40 ).
ويمكنكم مطالعة الفتوى التالية:
تُقرِّر الأديان كلُّها أن الإنسان مادةٌ وروح. قال تعالى ( إذ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِين. فإذا سَوَّيتُه وَنَفَخَتُ فيه مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَه سَاجِدين ) ( ص: 71-72 )، وأنه أحد العوالم الثلاثة التي كلَّفها الله بعبادته، وهي: الملائكة والإنس والجن، وكلُّها مادة وروح وإن كانت مادة الملائكة هي النور، ومادة الإنس هي الطين، ومادة الجن هي النار.
والروح سرُّها عجيب لا يدرِك الإنسان منه إلا قليلاً، على الرغم من إدراكه الكثير من سر المادة، قال تعالى ( وَيَسْأَلُونَك عَن الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ومَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إلا قَليلًا ) ( الإسراء: 85 ) واهتمَّ علماء المسلمين بدارستها وبيان أثرها في الحياة وفي الفكر وفي السلوك وفي مصيرها بعد خروجها من البدن بالموت. ومن الكتب المؤلَّفة في ذلك كتاب الروح لابن القيم.
وعلى الرغم من الاتجاه المادي للعالم الغربي نشطت أخيرًا الدراسات الروحية، في كليات أو معاهد خاصة، وتكوَّنت جمعيات تمارس أنشطة متصلة بالروح، كبعض الأنشطة التي مارسها بعض المسلمين وغيرهم، باسم السِّحر وتَحْضِير الأرواح، وما إلى ذلك، ونريد هنا أن نبين موقف الإسلام من تحضير الأرواح.
إن الأرواح هي لثلاثة أصناف من العوالم، الملائكة، والإنس ومعهم الحيوانات والطيور وكلُّ ما يدب على الأرض، والجن.
فما هي صلة الإنسان بهذه الأرواح؟
1 ـ الملائكة عالمٌ شفاف مخلوق من نور، يعطيهم الله القدرة على التشكل بالأشكال المختلفة، ولئن كان الله سخَّرهم لصالح البشر في مهمات وَكَلَها إليهم كتبليغ الوحي وتسْجيل ما يقع من الناس من أقوال وأفعال، ومعونة المؤمنين في الحرب وغيرها، فإن كلَّ أنشطتهم بأمْر الله وتوجيهه، لا سلطان لأحد غيره عليهم، ولا يستطيع إنسان أن يتسلَّط عليهم، ولا أن يستعين بهم مباشرة، إلا بأمر الله سبحانه، ولمَّا فَتَرَ الوحي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يشتاق لنزول جبريل عليه، فلم ينْزِل إلا عندما أذِنَ الله له. فقد روى البخاري أنه عليه الصلاة والسلام قال لجبريل: " ما يمنعُكَ أن تزورنا أكثر مما تزورنا "؟ فنزلت ( ومَا نَتَنَزَّلُ إلا بِأَمْرِ رَبِّكَ ) ( مريم: 64 ) ومن هنا لا يمكن لبشر أن يُحضر ملَكا أو يحضِّر روحه.
2 ـ الإنسان عندما تُفارق روحه جسده لا يعرف بالضبط مكانها إلا الله سبحانه، وإن جاءت الأخبار بأن لها صلة بالميت بقدر ما يسمع ويجيب على سؤال المَلَكَيْن، ويحسُّ بالنعيم والعذاب ويردُّ السلام على من سلَّم عليه، أو بقدر أكبر من ذلك، كما قيل عن الأنبياء في قبورهم، وكما قيل عن الشهداء في قوله تعالى ( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون ) ( آل عمران: 169 ) فقد روى مسلم وغيره أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سُئِلَ عن ذلك فقال: "أرواحهم في جوفِ طيْرٍ خُضْرٍ لها قناديل معلَّقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع عليهم رَبهم اطلاعة، فقال: هل تشتهون شيئا؟ قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟ فعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا: يا رب نريد أن تَرُدَّ أرواحنا في أجسادنا حتى نُقْتَل في سبيلك مرة أخرى. فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا ".
وستظل الأرواح محبوسة عند الله لا تردُّ إلى الأجساد إلا عند البعث من القبور للحساب. قال تعالى: ( حَتى إذا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُون. لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فيمَا تَرْكَتُ، كَلّا إنَّها كَلِمَةٌ هو قَائِلُهَا ومِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إلَى يَوْمِ يُبْعَثُون ) ( سورة المؤمنون: 99-100 ).
ولا يمكن لبشر أن يتسلَّط على روح الميت ويحضِّرها ويتحدَّث إليها لتخْبِرَه بما هي فيه من نعيم أو عذاب، أو بأحداثٍ في الكون غائبة عنه، وقد يحدث الاتصال بها ـ دون تسلُّط عليها ـ في الرؤى والأحلام، ويقول المهتمون بتعبير الرؤيا: إن أحوال الميت وما يقوله ويخبر به حق؛ لأنه انتقل من دار الباطل إلى دار الحق. وقد سبق بيان قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما رواه البخاري ومسلم " مَنْ رآني في المنام فسيراني في اليقظة ـ أو كأنما رآني في اليقظة ـ لا يتمثل الشيطانُ بي " لكن هذه الرؤى ليست باختيار الإنسان، وليس فيها تسلُّط على الأرواح.
3 ـ الجن عالمٌ شفاف خُلِقَ من نار، يعطيهم الله القدرة على التشكل بالأشكال المختلفة، وكما لا تُرى الملائكة في حالتها النورانية، إلا بإعجاز من الله تعالى، كما قيل في رؤية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لجبريل في الغار وليلة المعراج، لا يرى الجن في حالتهم الشفافة، كما قال تعالى: ( إنَّه يَرَاكُمْ هوَ وَقَبِيلُه مِنْ حَيْثُ لا ترَوْنَهُمْ ) ( سورة الأعراف: 27 ) ولهم عالمهم الخاص من الأكل والشرب والتزاوج، وسائر الأنشطة التي تنظِّم حياتهم، ومنهم الصالحون وغير الصالحين، كما قال سبحانه: ( وأنَّا منَّا الصَّالِحُونَ ومِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا ) ( سورة الجن: 11 ). وقد التقى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ببعضهم واستمعوا القرآن وآمنوا، كما جاء في سورة الأحقاف (الآية: 29 وما بعدها).
وتسلُّط الإنس على الجن لم يكن لأحد إلا لسيدنا سليمان ـ عليه السلام ـ بأمر ربه، حيث سخَّر الله له الريح والشياطين، كما في قوله تعالى: ( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي، إنَّكَ أَنْتَ الوَهَّاب. فَسَخَّرْنَا لَه الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِه رُخَاءً حَيْثُ أَصَاب. والشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاص. وآخَرين مُقَرَّنين في الأصْفَاد ) ( سورة ص: 35 ـ 38 )، وقد روى البخاري ومسلم أن عِفْريتًا من الجن تفلَّت عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يريد أن يقطع عليه صلاته، فأمسَك به وخَنَقَه، وأراد أن يربِطه في سارية من سواري المسجد، لكنه تذكَّر دعوةَ أخيه سليمان، فأطلقه. وجاء في رواية مسلم قوله: " والله لولا دعوةُ أخي سُليمان لأصبح مُوثقًا يلعب به وِلْدانُ أهل المدينة " وفي رواية النسائي بإسناد جيد أنه خنقه حتى وجد بَردَ لسانه على يده.
ومن هنا لا يمكن لبشر أن يتسلَّط على الجن بتحضيره وقهره على عمل معيَّن، لكن الجن يتسلطون على الإنس ويقهرونهم على سلوك معين، إلا من أعطاه الله القوة فنجَّاه منهم، قال تعالى على لسان إبليس: ( قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَّنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إلا عِبَادَكَ مِنْهُمْ المُخْلَصِين ) ( سورة ص: 82 - 83 ). كما أن المتمردين منهم يمكنهم بغير الوسوسة والإغواء أن يضروا الإنس بأي نوع من الضرر، حيث لا دليل يمنع من ذلك.
وقد صحَّ أن كل واحد من بني آدم له قرينٌ يلازمه من يوم ميلاده إلى أن يموت، روى مسلم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " ما من مولودٍ يُولد إلا نخَسَه الشيطان فيستهل صارخًا من نخسة الشيطان، إلا ابن مريم وأمه " ثم قال أبو هريرة راوي الحديث: اقرءوا إن شئتم ( وإنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم ) ( سورة آل عمران: 36 ).
ويتسلُّط هذا القرين على صاحبه يحاول إفساد حياته عليه، إلا العباد المخْلَصين، كما التزم وهو أمام الله بقضاء منه سبحانه ( إنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إلَّا مَنْ اتَّبَعَكَ مِن الْغَاوِين ) ( الحجر: 42 ). يقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما رواه مسلم " ما منكم من أحد إلا وقد وُكِّل به قرينه من الجن " قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: " وإياي، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير " أي: فأَسْلَمَ القرين، أو فَأَسْلَمُ أنا من القرين؛ لأن الله أعانني عليه.
غير أن الإنسان إذا لم يستطع التسلُّط على الجن إلا بإذن الله، فليس ذلك بمانع أن يتصل به ويتعاون معه ليُحَقِّق له بعض الأغراض وهذا الاتصال يتم بعدة أساليب، ووقع ذلك لبعض الناس في القديم والحديث، وعُرف منهم الكُهَّان والعَرَّافون والسَّحرة. وكان من هذا الاتصال ما يسمى الآن بتحضير الأرواح. وهذا التحضير كما سبق ذكره لا يكون لأرواح الملائكة ولا الآدميين بعد موتهم، وإنما هو لهذه الأرواح المعروفة بالجن.
والقرين من الجن له قدرة على تقليد صاحبه في صوته وقد يتشكَّل بشكله، وهو على دراية واسعة بحاله الظاهرة، وقد يكون بحاله الباطنة أيضًا مما تدُل عليه الظواهر، وللقرناء صلة ببعضهم يعرفون عن طريقها الأخبار التي تحدث للناس، فيمكن لقرين سعد مثلاً أن يعرف أحوال سعيد عن طريق سؤال قرينه، ومن هنا يمكن لقرين سعد أن يخبر سعدًا بحال سعيد، إما بصوت يسمعه ولا يرى صاحبه، وهو ما يعرف باسم الهاتف، وإما بطريق آخر من طرق الإخبار، وقد يكون هذا القرين مساعدًا لصاحبه في بعض الأعمال فتسهل عليه، وقد يكون على العكس مشاكسًا فيضع العراقيل في طريقه فيحس بالضيق والألم وقد يحصل غير ذلك فإن عالم الجن عالم غريب يخفى علينا الكثير من أحواله. وكل هذه التصرُّفات في دائرة الإمكان.
فإذا قام إنسان ـ على مواصفات معينة وبطرق مختلفة ـ بتحضير روح إنسان فهو يحضِّر روح قرينه، الذي يستطيع أن يقلِّد صوته ويخبر عن كثير من أحواله، وعن أمور غائبة عرفها القرناء وتبادلوا أخبارها، فيحسب الإنسان أن الرُّوح التي تتكلَّم هي روح آدمي، وهي روح قرينه، التي لا تستطيع أبدًا أن تخبر عن المستقبل فمجالها هو الحاضر الذي يخفى على بعض الناس. ذلك أن الجن لا يعلمون الغيب أبدًا، قال تعالى: ( قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ الْغَيْبَ إلَّا اللهُ ) ( النمل: 65 ) وقال عن جِنِّ سُلَيْمان بعد موته ( فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُون الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِين ) ( سبأ: 14 )، وقد يكذِب القرناء في أخبارهم، فيقول قرين الكافر مثلاً إنه في نعيم، وهو بنص القرآن في عذاب أليم، والروح الحقيقية لأي إنسان لا تكذب بعد الموت، فهو في دار الحق التي لا كذِب فيها، ولم يحدث أن ادَّعى من يزاولون تحضير الأرواح أنهم أحضروا روح نبي من الأنبياء؛ وذلك لأن الشياطين لا تتمثل بهم، ولا تستطيع تقليد أصواتهم، كما يحدث من القرناء مع بقية البشر.
فالخلاصة أن تحضير الأرواح هو تحضير لأرواح الجن وليس لأرواح الملائكة أو البشر، ولا يجوز الاعتمادُ على ما تخبر به هذه الأرواح، فقد تكون صادقة وقد تكون كاذبة فيما تقول. وتحضير أرواح الجن أمر ممكن غير مستحيل، لعدم ورود ما يمنعه، ولحدوثه واقعًا والذي لا يمكن ويُسَمى خرافة هو تحضير أرواح الملائكة وأرواح بني آدم.
ومن الواجب ألا يُسْتَغل إمكان تحضير الجن استغلالاً سَيئا، كما يفعل الدجالون والمُ شَعوذون، كما أن من الواجب ألا يخرج بنا الحماس في مقاومة الدجل والشعوذة إلى حد الإنكار لوجود الجن، فهم موجودون ومكلَّفون مثل البشر، وهم يستطيعون الإضرار بالناس بإذن الله، كما يضر الناس بعضهم بعضًا، وليس هذا الإضرار قاصرًا فقط على الوسوسة والإغواء، بل منه ما يكون في الماديات التي تتعلَّق بالإنسان في مأكله ومشربه وملبسه، بل وفي جسمه، فليس هناك دليل على منعه، والأمر بالتسمية لطرد الشيطان معروف.
والواجب أن نتحصَّن بقوة الإيمان والثقة بالله، والإقبال على طاعته والبُعْد عن معصيته ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، وأن نَزِنَ أمورنا بميزان العقل الذي كرَّمنا الله به، وأن نُحَكِّمه فيما لم يرد فيه نص من كتاب أو سنة، وما استعصى علينا فهمه ينبغي ألا نبادر بإنكاره، بل علينا التريُّث والتدبُّر حتى تتضح الأمور وتظهر الأدلة القاطعة على صدقه أو كذبه.
يستكمل في الجزء الثالث
ادعمنا بتفاعلك
يستكمل في الجزء الثالث
ادعمنا بتفاعلك