قواعد العشق الأربعون: رواية عن جلال الدين الرومي
حصريا علي مجتمع لخابيط الشرقي
L5abet Oriental Society
تسلط الرواية ضوئها على العلاقة التي جمعت
العالم الصوفي/ جلال الدين الرومي
بالدرويش والشاعر /شمس التبريزي بمدينة قونية
بتركيا في القرن الثاني عشر
الرواية فلسفية عميقة وتضرب على كل الاوتار الحساسة
( الهدف من الخلق - حب الله للعباد وحب العباد لله - المحرمات ونظرة المجتمع لها - الصوفية وتعاليمها
التعصب والافق الضيق للتيارات المتشددة - التوبة ومفهومها -حرية المعتقد - ازدواجية المعايير والتدين الظاهري...الخ)
«قواعد العشق الأربعون»
للروائية التركية «إليف شافاق»،
المولودة عام ١٩٧١ فى فرنسا.
تتحرك عبر ثلاث روايات مرة واحدة وفي زمنين مختلفين تفصلهما ثمانية قرون تقريبا. لكنها تجتمع مرة واحدة بيد خبيرة ماهرة في السرد والقص وتحويل الأزمان إلى عجينة طيعة جاذبة فتشكل منها مادة سردية متقنة، تتناول قضية العشق من كل جوانبها في أجواء لا تخلو من الإثارة
وحبس الأنفاس.
الرواية فى خمس فصول
الارض : الاشياء التي تكون صلبة متشربة وساكنة
الماء : الاشياء السائلة تتغير ولا يمكن التبؤ بها
الريح : الاشياء التي تتحرك تتطور وتتحدي
النار : الاشياء التي تدمر وتتحطم
العدم : الاشياء الموجودة من خلال غيابها
من خلال قرائتك للرواية ستخرج باربعين قاعدة للحب
خد فكره
****
عندما انعطفنا عند ناصية الشارع، واقتربنا من خان تجار السكر، لمحت ولياً تقياً جوالاً يشق طريقه عبر الحشد، يتهادى نحوي مباشرة ويرقعني بعينين ثاقبتين، كانت حركاته حاذقة ومركزة، وكانت تشع منه هالة من القدرة الذاتية.
كان حليقاً، لا لحية له، ولا حاجبين، ومع أن وجهه كان مكشوفاً كما ينبغي لوجه أي رجل أن يكون، فإن قسمات وجهه يكتنفها الغموض، لم يكن مظهره هو الذي فتني وجذب إنتباهي.
فخلال سنوات كثيرة، رأيت وراويش جوالين من جميع الأنواع يجتازون قونية سعياً وراء الله، ويعرف معظم هؤلاء الدراويش بسلوكهم المشاكس، بأوشامهم البارزة وأقراطهم العديدة، والحلقات في أنوفهم... لذلك عندما وقعت عيناي على هذا الدرويش، لم تكن قشرته الخارجية هي التي أثارت إنتباهي، بل يمكنني القول أن نظرته هي التي فتنتني، كانت عيناه السوداوان تحدّقان بي بنظرة أحدّ من الخنجر.
وقف في منتصف الشارع، ورفع ذراعيه عالياً، وفتحهما على وسعيهما، وكأنه لم يكن يريد أن يوقف الموكب فقط، بل يوقف تدفق الزمن كذلك، أحسست برعدة تسري في أوصالي، مثل حدس مفاجئ، وتوتر حصاني وبدأ يصهل بصوت مرتفع، وراح يهز رأسه إلى الأعلى وإلى الأسفل.
حاولت أن أهدئ من روعه، لكنه أجفل، وإعتراني شعور بالتوتر أنا أيضاً، أمام عينيّ اقترب الدرويش من حصاني، الذي أجفل، وهمس شيئاً في أذنه، بدأ الحصان يتنفس لكنه عندما لوّح بيده بإيماءة نهائية، هدأ الحصان على الفور، وسرت موجة من الحماسة في الحشد، وسمعت أحدهم يتمتم، ويقول: "هذه شعوذة".
نظر الدرويش إلي بفضول غير عابئ بما يحيط به، وقال: أيها العالم العظيم في الشرق والغرب، لقد سمعت عنك الكثير، لقد جئت إلى هنا اليوم لأسألك سؤالاً، لو سمحت: "تفضل"، قلت هامساً، "حسناً"، يجب عليك أولاً أن تترجل عن حصانك كي نكون على سوية واحدة"، ذهلت لسماع ذلك، فلم أتمكن من أن أنبسى بكلمة لوهلة، وأبدى الناس حولي وهشتهم، فلم يجرؤ أحد على مخاطبتي بهذه الطريقة.
أحسست بوجهي يلتهب، وبطني تؤلمني، لكني كبحت إنزعاجي وترجلت عن حصاني، كان الدرويش قد دار ظهره وسار مبتعداً، "يا صاح" انتظر"، صحت ولحقت به، "أريد أن أسمع سؤالك"، توقف وإستدار، وابتسم لي لأول مرة، وقال: "حسناً، قل لي أرجوك، من هو أعظم برأيك: النبي محمد صلى الله عليه وسلم أم الصوفي أبو يزيد البسطامي"، فقلت: "ما هذا السؤال؟ كيف يمكنك أن تقارن بين نبينا العظيم عليه الصلاة والسلام، خاتم الأنبياء والمرسلين، وبين صوفي سيء السمعة؟".
تجمع حولنا حشد من الناس الفضوليين، لكن الدرويش بدا غير مكترث بهم، وقال بإلحاح وهو لا يزال يحدّق في وجههي: "أرجو أن تفكر في الموضوع، أفلم يقل النبي: يا رب اغفر لي عجزي عن معرفتك حتى المعرفة، في حين قال البسطامي: طوبى لي، فأنا أنا أحمل الله داخل عباءتي؟ فإذا كان هناك رجل يشعر بأنه صغير بالنسبة لله، بينما يدّعي رجل آخر بأنه يحمل الله في داخله، فأيهما أعظم؟".
بدأ قلبي يخفق بقوة، فما عاد السؤال يبدو غريباً، في الواقع بدا كان حجاباً قد أزيل وكان تحته لغز مثير ينتظرني، ارتسمت على شفتي الدرويش إبتسامة ماكرة، مثل نسيم عابر، وعرفت الآن أنه ليس مجنوناً، بل مجرد رجل يطرح سؤالاً سؤال لم أفكر به من قبل، "أرى ما تحاول أن تقوله"، قلت له، ولم أرغب في أن يسمع الرعشة التي اعترت صوتي المتهدج، "سأقارن بين القولين، ومع أن قول البسطامي يبدو أعلى، فإني سأخبرك لماذا أن العكس هو الصحيح"، فقال الدرويش: "كل آذان صاغية".
كما ترى، فإن حب الله محيط لا نهاية له، ويحاول البشر أن ينهلوا منه أكبر قدر من الماء، لكن في نهاية المطاف، يعتمد مقدار الماء الذي يحصل عليه كل منّا على حجم الكون الذي يستخدمه، وفي حين يوجد لدى البعض براميل، ولدى البعض دلاء، فإن لدى البعض الآخر طاسات فقط".
بينما كنت أتحدث، رحت أراقب قسمات الدرويش وهي تتحول من إزدراء خفيف إلى شكر واضح، ومنها إلى إبتسامة رقيقة لشخص يرى أفكاره في كلمات شخص آخر، "كان وعاء البسطامي صغيراً بعض الشيء، وقد روى عطشه بعد أن نهل جرعة، وكان سعيداً بالمرحلة التي بلغها، كان شيئاً عظيماً أن يدرك الله في نفسه، لكن بالرغم من ذلك لم يتمكن من التمييز بين الله وبين وحدة الناس.
أما النبي، فقد اختاره الله ولديه كوب أكبر بكثير لكي يملأه، لذلك سأله الله في القرآن الكريم: (ألم نشرح لك صدرك) وهكذا شرح صدره وكان كوبه ضخماً، كان عطشاً على عطش بالنسبة له، ولا عجب أنه قال: "أننا لا نعرفك كما ينبغي لنا أن نعرفك، مع أنه من المؤكد أنه يعرفه كما لا يعرفه شخص آخر".
ابتسم الدرويش ابتسامة عريضة ودودة، وأومأ وشكرني، ثم وضع يده على قلبه ببادرة امتنان، ولبث هكذا لبضع ثوان، وعندما التفت عيوننا ثانيةً، لاحظت مسحةً من اللطف قد تسللت إلى نظرته، رحت أحدّق وراء الدرويش ورأيت المشهد الطبيعي الرمادي الذي يميز مدينتنا في هذا الوقت من السنة.
وانسلت بضع أوراق أشجار جافة حول أقدامنا: وراح الدرويش ينظر إلي بإهتمام متجدد، وفي ضوء الشمس الأفلة للغروب، أقسم بأنني لوهلة رأيت هالة عنبرية اللون... "من الأفضل لي أن أذهب الأن وأتركك مع مريديك" قال، وانخفض صوته ليصبح مثل جرس مخملي، يكاد يكون همساً، فقلت معترضاً: "انتظر، لا تذهب، أرجوك، ابق"، لمحت مسحة من الإهتمام على وجهه، وزم شعبيته بحزن، كما لو كان يريد أن يقول شيئاً لكن أما أنه لم يستطع، أو أنه لم يشأ أن يقوله، وفي تلك اللحظة، في فترة الصمت القصيرة تلك، سمعت السؤال الذي لم يسألني إياه، وماذا عنك أنت، أيها الخطيب العظيم؟ قل لي، ما هو حجم كوبك؟ لم يكن لدي شيء أقول، فقد نصبت الكلمات مني، اقتربت من الدرويش حتى أني رأيت الخطوط الذهبية في عينيه السوداوين.
وفجأة غمرني إحساس غريب، كما لو أنني كنت قد عشت هذه اللحظة من قبل، لا مرة واحد، بل أكثر من عشر مرات، وبدأت أتذكر شذرات، رجل طويل مخيف يستر وجهه بحجاب، وأصابعه ملتهبة، ثم أدركت، فلم يكن الدرويش الواقف أمامي، إلا ذاك الرجل الذي كنت أراه في أحلامي دائماً، عرفت أنني وجدت رفيقي، لكن بدلاً من أن ابتهج نشوة، كما خبل إليّ، غمرني شعور بالرهبة".
وأنت وكقارئ، سيعتريك هذا الشعور عندما تجول أفكارك مع نظرك مع إتهامه لسطور وصفحات هذه الرواية، تقف في بادئ الأمر على أعتاب هذا العالم الذي نسجته الروائية بدقة وبخيوط التصوف حيناً، والواقعية حيناً آخر، وبخيوط الواقع تارة، وبخيوط الخيال تارة أخرى... وثم ليس آخراً بخيوط الإبداع في كل الأحايين.
تتكلم عن الحب الإلهي... وليس من الغريب حديثها عن الحب البشري أيضاً... فالحب الإلهي يسع العالم كله... أفلا يسع معانيه؟!... تتشابك خطوط الرواية في بعض الأحيان... لتزرع الكاتبة من خلالها بذور التشويق والإثارة... وتسير الأحداث على وقع أحلام وآمال وأفكار شخصيات أبدعت الكاتبة في إنتقائها، ولكن ورغم معرفتك أو عدمها وكقارئ بأبو يزيد البسطامي... شمس التبريزي أو بجلال الدين الدومي أو حتى بالمريدين وأصحاب الطرق.
وسواء أكنت واقعياً أم خيالياً... أم لديك ثقافتك الغربية أم الشرقية... فإنك سترحل مع هذه الرواية برحلة تمتعك مهما كانت مشاربك وتوجهاتك... رحلة روحية تطلع من خلالها على "مدوّنة" القواعد الأربعون لدين العشق" الذي لا يمكن تحقيقها إلا من خلال العشق، والعشق ذاك العشق الذي ا يعرف هوية ولا عرقاً والمتواجد في كل زمان ومكان وحده... تقول إحدى هذه القواعد: "إن الطريق إلى الحقيقة يمر من القلب، لأن الرأس، فاجعل قلبك، لا عقلك دليلك الرئيسي، واجه، تحدّ، وتغلب في نهاية المطاف على "النفس" بقلبك، إن معرفتك بنفسك ستقودك إلى معرفة الله تعالى"